- إنضم
- 15 نوفمبر 2022
- المشاركات
- 6,349
- مستوى التفاعل
- 6,578
- المكافآت
- 6
حقيقة تأثير الألوان في النفس
كثر السؤال عن حقيقة تأثير الألوان في النفس والعقل والبدن،
وهل ثبت كونها أسبابًا كونية نافعة لا يتعارض
العلاج بها مع العقيدة الصحيحة؟
فأقول وبالله التوفيق:
استخدام الألوان في مجال دورات التنمية البشرية
والعلاج البديل انتشر مع التطبيقات التي روجتها،
كما تعطى فلسفة الألوان ضمن دورات أخرى:
كدورات التأمل والتنفس والماكروبيوتيك وجميع دورات الطاقة
القائمة على فلسفة الطاقة الكونية وجهاز الطاقة في الجسم الأثيري!
واستخدام الألوان في العلاج هو جزء من الأيروفيدا الهندية.
والفينغ شوي الصيني فهي جزء أصيل من الفلسفة الشرقية الملحدة.
والاعتقاد بتأثير الألوان على الصحة وعلى الشخصية
مرتبط ارتباطًا وثيقًا بفلسفة الشاكرات الشرقية
التي يعتقدون بأنها مؤثرة في جسد الإنسان ونفسه وروحه؛
إذ هي منافذ استمداده للطاقة الكونية التي يعتقدون بها وسبيل
الاتحاد بالمطلق بحسب فلسفتهم، فلكل شاكرا لون محدد
لا بد أن تتشبع به، وأي نقص فيه يسدّها أو يضعفها،
ومن ثم تتأثر الصحة والنفسية والعقلية والروحانية لهذا الشخص.
وإذا ما روعي اللون المناسب للشاكرا في الغذاء واللباس ساهم في
فتحها وتنشيطها وقدرتها لاستقبال الطاقة الكونية المزعومة
ومن ثم عاش صاحبها ما ينشد في صحته وعقله ونفسه وروحه!
وقد لا يذكر أحيانًا موضوع الشاكرات عند مروِّجي تطبيقات
الألوان من المسلمين، وإنما يؤكدون فقط على أن لكل
لون طاقة خاصة، وتأثير خاص. ويشرحون ذلك مختلطًا
ببعض الحقائق العلمية المثبتة عن الألوان فيجمعون بين
الحقيقة والادعاء حتى يصعب التمييز بينهما لدى المستمعين
ويظنون الادعاءات جزء من الحقائق المذكورة معها.
ويذكر مروِّجو تطبيقات الألوان التدريبية
والعلاجية والنفسية تأثيرات كثيرة للألوان لم تثبت علمًا ولا عقلًا؛
فاللون البنفسجي عندهم مثلًا يعالج الروماتيزم والأمراض الجلدية،
والأخضر مفيد لعلاج الاضطرابات العقلية،
والبرتقالي ينشط البنكرياس وهكذا.
كما يعتقدون بأن لبعض الألوان تأثير على النفسية
فلون يخفف الاكتئاب وآخر يجلب الخوف
وثالث يمنح السكينة. بل وأكثر من ذلك
فللألوان -بحسب ادعاءاتهم- تأثير عجيب على الروحانية
فمن الألوان ما يمنحك الخشوع ومنها ما يحرمك إياه!
وتتنوع الطريقة التي يدربون على تطبيقها للاستفادة
من طاقة الألوان المزعومة ويبدأ الأمر في الدورات
بالتعريف بطاقة الألوان وتأثيراتها وقواها
الإيجابية والسلبية، ثم التدريب على كيفية اكتشاف
ما يحتاجه كل شخص من الألوان عن طريق سؤاله
عن لونه المفضل، أو عن طريق جلسات التأمل
والخيال التي يكتشف فيها نفسه! أو بالاستعانة بخبراء
طاقة الألوان الذين يستطيعون بفراستهم الخاصة
من خلال تحليل ما يدّعونه من الهالات الضوئية
غير المرئية معرفة احتياج الشخص من الألوان، ويخبرونه بها،
ثم يقترحون عليه كيفية إشباع هذه الحاجات بطرق متنوعة
ومن هذه الطرق:
- اعتماد اللون المناسب في اللباس.
- اعتماد الغذاء الذي له اللون الذي يزعم المعالج حاجة الشخص إليه.
عن طريق التعرض للون عبر أجهزة أو أضواء أو البقاء في غرف مطلية
بالألوان المحددة أو الالتفاف بأقمشة لها اللون المطلوب وهكذا.
بل وأكثر من ذلك فيعتقدون أنه يمكن
أن تصل الفائدة من اللون بمجرد تخيله في لحظات تأمل
وتركيز بحيث يتخيل المريض اللون ويتخيل أنه حوله
يأكل منه ويتنفسه ويتحد معه، ويتخيل المعالج اللون
ويرسله للمريض ويجمعه حوله كلاهما في الخيال!
ويزعمون أنه بهذه الطرق يمُنح الجسد حاجته من اللون،
فيشفى من الأمراض البدنية أو النفسية أو العقلية، ويكتسب
طاقة حياة جديدة، وتتفتح منافذ الطاقة لديه (شاكراته)
ليسعد بصحة روحه وعقله وبدنه.
فالألوان في هذه التطبيقات الباطنية الحديثة تتعدى كونها
صفات لا تدرك إلا بالبصر، جعلها الله في الكون مثيرة للبهجة
ومميزة للأشياء عن بعضها، إلى فلسفة إلحادية خطيرة؛ فتوصف
-عند المعتقدين بها-
بأنها صفة متولدة عن المطلق، وأنها قوة بلا حد،
وهي عند بعضهم وسيلة للاتحاد بالكلي بحسب معتقداتهم الضالة.
وللأسف كسائر التطبيقات الوافدة
يسعى بعض المسلمين على اختلاف نيّاتهم وتوجهاتهم
إلى محاولة أسلمتها بالجمع بين ما يظنون أنه
يوافق الدين منها بدلالة نص أو حدث من التراث الإسلامي.
والحقيقة أنهم يقدمون مسخًا آخرًا ليس هو تلك الضلالات الفلسفية،
ولا هو فكر صاف وتطبيق صحيح. وغاية ما يصلون إليه
التقريب بين الناس وبين فلسفات الضلال بما دمجوا
معها من المشتبه من النصوص أو قصص التاريخ وأحداثه.
وفي الختام أذكّر بأن منهج السلف في باب الأسباب والمسببات
يعصم من كثير من الضلالات والشبه في هذا الباب
ويمكن تلخيصه بما يلي:
الأسباب في العلاج وسائر مطالب الحياة نوعان:
أولا: أسباب شرعية: وهي ما ثبتت بالنص الشرعي
عُرِفَ تأثيرها أم لم يُعرَف، عقِلَها الإنسان أو لم يعقِلها.
ومن الأسباب الشرعية للشفاء:
القرآن الكريم، الدعاء، قيام الليل، العسل،
الحبة السوداء وغير ذلك مما ثبت بالنص الصحيح.
ثانيًا: أسباب كونية:
وهي ما ثبت كونها في الواقع بتقدير الله،
وهذه منها ما هو مباح، ومنها ما هو محرم.
فهناك أسباب أرادها الله كونًا، ولكنه حذّر منها،
وحرمها كالسحر والخمر وغيرها. ولا بد من تمييز الأسباب
الكونية عن الأسباب الوهمية التي يتوهمها الناس
ويزينها الشيطان، وليس لها تأثير عقلًا ولا وصفًا.
فالأسباب الوهمية باب واسع من أبواب الشرك بالله عز وجل
على درجات ترقّ وتغلظ بحسب اعتقاد الآخذ بها.
وكلمة أخيرة لأصحاب دورات الألوان نساءً ورجالًا
الذين يقولون أنهم يقدمون دورات ألوان إسلامية!
وأنهم يستقرئون ذكر الألوان في النصوص الثابتة،
ويحاولون أن يستنبطوا منها خصائص للألوان،
ومن ذلك قول بعض المدربين:
اللون الأسود مذموم في النصوص فالكفار وجوههم تسود
يوم القيامة، وقلب صاحب الذنوب أسود، والكلب الأسود... و...
أقول لهم: لا تتبعوا خطوات الشيطان،
فهناك أسباب خفية تتبُعها يُوقع في الفتن،
لذا حذّر منها أهل العلم من سلفنا رضوان الله عليهم
منذ القديم.
ومن وجه آخر فرسولنا صلى الله عليه وسلم حذّر من
اتّباع اليهود والنصارى وبين أن نهايته جحر الضب.
وليس هناك فائدة مرجوة من وراء البحث في تأثيرات الألوان.
مع التسليم بأن للألوان تأثيرات ودلالات متنوعة،
إلا أنها نسبية ومتفاوتة ومتناقضة أحيانًا؛
فالأسود إضافة إلى ما ذُكر سابقًا من كونه ذكر
مع العذاب والذنب إلا أنه كذلك اقترن بالمهابة،
كما هو في كسوة الكعبة وفي حجاب المرأة!
والأحمر هو لون عنف ودم عند البعض،
وهو لون حب وجمال عند آخرين!
لذلك يصنف العلاج بالألوان علميًا بأنه (علاج وهمي)
ويسمى ما يدعى من علم الألوان (علم زائف).
فلنتوجّه إلى ما ينفعنا من دورات التدريب ومن أساليب العلاج،
ولنترك الأوهام والتشبّه بأهل الضلال والجري واللهاث وراء مخرجاتهم.
ففي الوحيين من الكنوز لتزكية النفس وعلاجها، ونشر
السكينة والطمأنينة والتفاؤل بين الناس، وتربية المجتمع وتطويره،
ما يكفل لنا سعادة الدارين إن توجهنا إليه وعظمنا ثقتنا واعتزازنا به.
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
فوز بنت عبد اللطيف كردي
دكتوراه فلسفة التربية والدراسات الإسلامية،
تخصص العقيدة والمذاهب المعاصرة.
جامعة الملك عبد العزيز بجدة
رابط المادة: http://iswy.co/e121l3